الحشرة القرمزية تهدد كروم التين الشوكي بالقصرين: هل تنجح التدخلات الحكومية في إنقاذ القطاع؟
في محافظة القصرين، يواجه قطاع التين الشوكي تحديًا بيئيًا واقتصاديًا خطيرًا بعد انتشار الحشرة القرمزية (Dactylopius opuntiae) التي تهدد بإتلاف مساحات كبيرة من الغراسات المهيكلة للتين الشوكي بمحافظة القصرين التي تضم حوالي 100 ألف هكتار من الكروم .
هذا المحصول، الذي يوفر فرص عمل لأكثر من 3 آلاف شخص، ويحقق إيرادات سنوية تقدر بـ80 مليون دينار، يتعرض لضغط متزايد بفعل هذه الآفة. ما هي الإجراءات التي اتخذتها السلطات التونسية لمواجهة هذه الأزمة؟ وهل ستكون الحلول المطروحة كافية لإنقاذ هذا القطاع الحيوي؟
قال رئيس الجمعية الوطنية لتنمية التين الشوكي، محمد رشدي بناني، إن موسم 2024 لجني ثمار التين الشوكي كان متوسطًا من حيث الكمية مقارنة بالموسم الفارط، مع الحفاظ على جودة المنتج بفضل تساقط الأمطار أثناء الموسم، مما ساعد في الحفاظ على نوعية الثمار. وقد قُدر الإنتاج هذا العام بحوالي 250 ألف طن، وفقًا لتقديرات الجمعية الوطنية لتنمية التين الشوكي، وهو ما أكدته أيضًا مصلحة حماية النباتات بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقصرين.
وأكد بناني على سلامة الغراسات الهيكلية للتين الشوكي في محافظة القصرين، رغم اكتشاف عدة بؤر للحشرة القرمزية في بعض “الطوابي” بمختلف معتمديات المحافظة. وأرجع بناني سلامة الكروم إلى فعالية تدخلات المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقصرين.
كما طالب بالسيطرة على بؤر الحشرة القرمزية في ولاية القيروان من قبل الجهات المختصة، وذلك لمنع انتشار الحشرة في المناطق المجاورة والمحاذية للولاية.
الحشرة القرمزية وتأثيرها:
الحشرة القرمزية تعتبر من أخطر الآفات التي تصيب كروم التين الشوكي، حيث تتغذى على عصارة النبات مسببة جفافه وموت أجزاء كبيرة منه. هذه الحشرة، التي تتنقل عبر الرياح أو تلتصق بالحيوانات والآلات الزراعية، تنتشر بسرعة كبيرة، مما يجعل السيطرة عليها أمرًا صعبًا.
ورغم تدخلات السلطات، فإن الحشرة القرمزية واصلت انتشارها بسرعة، مدفوعة بالعوامل المناخية الملائمة وصعوبة اكتشاف البؤر في مراحلها المبكرة، نتيجة تأخر الفلاحين في الإبلاغ عن الإصابات. بالإضافة إلى ذلك، تعاني الجهود الحالية من غياب الأدوية الجهازية الفعالة، حيث لا تصل الأدوية المستخدمة حاليًا إلى جميع الأجزاء المصابة من النبات، وفق ما صرح به مختار العلاقي، رئيس مصلحة حماية النباتات بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقصرين. هذا الوضع أدى إلى تضرر العديد من المناطق.
مكافحة الحشرة القرمزية بتونس: التدخلات الحكومية العاجلة لإنقاذ غراسات التين الشوكي
خلال الندوة الصحفية الدورية لوزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، التي عُقدت بمقر الوزارة في جويلية الماضي، تم استعراض الخطة الوطنية لمكافحة الحشرة القرمزية على غراسات التين الشوكي، التي أصبحت تشكل تهديدًا خطيرًا لهذا القطاع الزراعي الهام. وقد أفادت وزارة الفلاحة التونسية بأن أكثر من 50% من غابات التين الشوكي في تونس تضررت بفعل هذه الآفة، حيث بلغت نسبة الإصابة 100% في بعض المحافظات مثل المهدية والمنستير، و70% في محافظتي سوسة وصفاقس، بينما سجلت القيروان إصابة بنحو 50%، وفقًا لما أوردته وكالة الأنباء التونسية الرسمية.
وفي محافظة القصرين، أشار مختار العلاقي، رئيس مصلحة حماية النباتات بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقصرين، إلى أن الغراسات الهيكلية للتين الشوكي لا تزال سليمة حتى الآن، رغم تسجيل 28 بؤرة إصابة في عدة معتمديات، أبرزها سبيطلة وسبيبة، التي تقع بالقرب من الولايات الأكثر تضررًا مثل القيروان وسيدي بوزيد.
تدخلات عاجلة لاحتواء الآفة :
باشرت المندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقصرين التدخل الفوري من خلال قلع وحرق النباتات المصابة، بالإضافة إلى رش المبيدات في المناطق المصابة. كما تم اعتماد تقليم جذوع التين الشوكي كإجراء استباقي للكشف المبكر عن الإصابة بالحشرة القرمزية.
وفي إطار الجهود المبذولة للحد من انتشار الآفة، تم إنشاء ستة مراكز لتعقيم في منطقة زلفان، التي تضم أكبر الغراسات الهيكلية للتين الشوكي بولاية القصرين حيث تمتد على مساحة تقدر ب30 ألف هكتار، تضم 3 آلاف هكتار من الغراسات المسيرة بالنظام البيولوجي . ورغم هذه التدخلات، يبقى التحدي الأكبر في نقص التدابير الوقائية الاستباقية التي أوصت بها منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة .
جهود استباقية منذ 2022 :
أكد مختار العلاقي على أهمية اليقظة والمتابعة الفورية للتطورات، مشيرًا إلى أن المندوبية الجهوية قد قامت منذ عام 2022 بتفعيل خطة استباقية تمثلت في تكوين فريق جهوي يضم 240 فلاحًا موزعين على مختلف أنحاء الولاية، بهدف الرصد المبكر والتدخل السريع للحد من انتشار الحشرة.
تعاون دولي لتحويل الخطر إلى فرصة :
في إطار التعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة مع وزارة الفلاحة التونسية ، تم اقتناء 40 آلــــة لفرم التين الشوكي المصاب وتحويله إلى أعلاف، في خطوة تهدف إلى الإستفادة من النباتات المتضررة والتقليل من الخسائر الزراعية وفق رئيس مصلحة حماية النباتات بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقصرين مختار العلاقي.
من جهته أفاد محمد رشدي بناني، رئيس الجمعية الوطنية لتنمية التين الشوكي، أن الجمعية تعمل بشكل مشترك مع وزارة الفلاحة لتسريع عملية تربية الدعسوقة التي تم جلبها من المغرب. حيث تم جلب 100 دعسوقة إلى مختبر متخصص في تربية الحشرات، وقد ارتفع عددها منذ ذلك الحين إلى حوالي 200-300 دعسوقة. وأضاف بأنه سيتم توزيعها لاحقًا على الشركات الناشئة لإستخدامها كوسيلة مقاومة بيولوجية للحشرة القرمزية.
وشدد بناني على ضرورة تجنب الاستخدام المكثف للأدوية الكيميائية للحفاظ على المحاصيل البيولوجية للتين الشوكي، مؤكدًا أهمية الاستفادة من التجارب السابقة للبلدان المجاورة التي واجهت هذه الحشرة. وأوضح قائلاً: “يجب أن نتعلم كيفية التعايش مع هذه الحشرة والتعامل مع نبتة الصبار كما تم في بعض الدول المجاورة”.
التجربة المغربية في مواجهة الآفة:
استلهمت تونس من التجربة المغربية التي نجحت في إدخال الدعسوقة المكسيكية، وهي حشرة تتغذى على الحشرة القرمزية دون الإضرار بالغراسات. ويعمل حاليًا أحد المختبرات التونسية على تكييف هذه الدعسوقة ليتم تعميم استخدامها في المناطق المصابة.
أكد رياض أوحتيتا، الخبير الفلاحي المغربي، على أهمية التعاون بين تونس والمغرب في مجال البحث العلمي الزراعي والمناخي، و خاصة في مقاومة الحشرة القرمزية. وأشار إلى أن المغرب حقق نجاحات إيجابية في هذا المجال، حيث اعتمدت البلاد على الدعسوقة من نوع Trifurcata، التي تتميز بقدرة كبيرة على افتراس الحشرة القرمزية. كما نجحت المغرب في تطوير أصناف جديدة من الصبار المقاومة لهذه الآفة.
خلال عام 2021، تم غرس 1500 هكتار من أصناف الصبار المقاومة للحشرة القرمزية في المغرب، وتلتها زراعة 6 آلاف هكتار إضافية في عام 2022، وصولاً إلى غرس 15 ألفًا و22 هكتار بحلول نهاية عام 2023. وأضاف أوحتيتا أن إنتاج ثمار التين الشوكي من الأصناف المقاومة للحشرة شهد ارتفاعًا ملحوظًا هذا العام، رغم الزيادة الكبيرة في أسعار التين الشوكي.
هذه التجربة المغربية الناجحة تقدم نموذجًا يمكن لتونس الاستفادة منه في مكافحة الحشرة القرمزية وحماية قطاع التين الشوكي الحيوي.
على الرغم من الجهود المبذولة، لا تزال الحشرة القرمزية تهدد قطاع التين الشوكي بمحافظة القصرين . لذلك، هناك حاجة ماسة إلى تعزيز التدابير الوقائية واستثمار المزيد في الحلول البيولوجية، مثل تربية الدعسوقة المكسيكية وزراعة أصناف جديدة من الصبار المقاوم للحشرة القرمزية.