أخبار محليةالأخبار
في افتتاح مهرجان القصرين الدولي :الفزعة : نوستالجيا الروح وإيقاعات الذكر الصوفي في حضرة رجال فريانة
- فلسفة العرض
أول مرة ، ومنذ سنوات عديدة تختار الهيئات المديرة لكبرى المهرجانات بالقصرين ) القصرين الدولي / العبادلة الدولي بسبيطلة / سيدي تليل المغاربي بفريانة ( أن تكون أولى مصافحاتها مع جمهورها بعرض ضخم لأبناء الجهة ، هو عرض الفزعة الذي تعود فكرته لمدير دار الثقافة بفريانة عبد الرزاق العابدي ، ويخرجه الفنان المسرحي القدير بوضياف مغزاوي ، وينتجه عبد القادر الهرماسي ويديره فنيا محمد علي المغزاوي ، فيما يقوده على الركح الفنان الشاب ماهر الهرماسي .
و الفزعة مفردة مستمدة من التراث الشفوي التونسي ، وتعني أساسا ذاك السيل العارم التلقائي من الناس الذين يأتون من كل حدب وصوب لإنجاز مهمة ينوء بحملها الفرد أو المجموعة الصغيرة يمدون فيها يد المساعدة بالجهد والفكرة ، سواء كان ذلك في الأفراح أو في الأتراح أو أثناء المواسم الفلاحية أو الكوارث الطبيعية أو أثناء المهرجانات التي تنعقد حول مقامات أولياء الله الصالحين والتي يطلق عليها سابقا اسم الزردة .
الفزعة نخوة ومصدر فخر ومقياس للشهامة ، أرادها أصحابها عنوانا متمايزا عن سائر العناوين المستهلكة للعروض الصوفية التي شهدناها سابقا في المهرجانات وفي وسائل الإعلام ، كما أرادوها نداء يجمع مواهب فريانة والجهات المجاورة ممن لهم هوس بالإيقاع والإنشاد الصوفي يستمدونه مما تتعلموه من آبائهم وأجدادهم ، ومما استمعوا إليه من أذكار ما يزال صداها يتردد بين جنبات المقامات والزوايا التي تعج بها فريانة ، يخرجون من خزائن التراث اللامادي الصوفي دررا مكنونة لفها النيسان يصنعون بها حدثا يعيد الاعتبار لخصوصيات كادت تضمحل في ظل موجات متتالية من موسيقى الضجيج والخواء المضموني . - المضامين
في علاقة بالمضامين ، تختلف الفزعة عن الحضرة والعيساوية والتخميرة ، لتتشكل من خلال إدماج ذكي سلس بين تراث مدرستين في الإنشاد الصوفي هما الزاوية المحمدية ) التليلية ( بفريانة ، وزاوية الولي الصالح بوعلي النفطي ) بالجريد التونسي ونفطة تحديدا ( الضاربتين في التاريخ واللتين تربطهما أواصر علمية وثيقة ، ومصاهرة بين أهالي فريانة وأهالي الجريد ، واحتضان كل منهما لعائلات تنحدر من هذه المنطقة ومن تلك ، فضلا عن تقاطعات في العادات والتقاليد وفي المعجم اللغوي اليومي المنطوق . - الموسيقى :
موسيقيا ، يتشكل العرض من أكثر من عشرين مقطوعة تمت هندستها وفق أنساق صوفية تقوم أساسا على إيقاعات الدفوف والطبول ، المتسارعة حينا ، المتباطئة حينا آخر ، ديدنها تناسق عجيب واتساق داخلي لا نشاز فيه ولا ارتباك ، ترسل بإشارات مغناطيسية ساحرة الى العقول فتختمر ، وإلى الأجساد فتتمايل وتهتز، وتنخرط في حالة من الانتشاء الداخلي والانجذاب إلى عالم التصوف والصفاء الروحي . وقد ينفصل الإيقاع في بعض مقاطع العرض بشكل متعمد عن الإنشاد ليعزف على أوتار الروح فاسحا المجال لمن هم أكثر تأثرا من غيرهم ليختمروا وينخرطوا في حالة من التيه وهذيان الجسد والسمو بها عن كل ماهو مادي والتحليق بها في ملكوت الأرواح .
وعلى غرار كل العروض الإنشادية الصوفية العصرية ، تعزز عرض الفزعة الفرجوي بأمهر العازفين الشباب ) ميعاد باند (، يضفون بلمستهم الراقية على جمال الإيقاعات رداء موسيقيا ولمسة حانية جذابة تزيده رونقا وفخامة . - السينوغرافيا :
في الفزعة ميزة تعطي للحضرة والانشاد معاني حية يؤثثها أكثر من 40 مؤديا بين منشد وعازف وضابط إيقاع وكوريغراف ، من بينهم فتاتان إحداهما في الإيقاع والثانية في الكوريغرافيا وهي ميزة تحسب لفائدة العرض باعتبار الخصوصية المحافظة لجهة فريانة التي ينحدر منها ، بالإضافة إلى حضور الماء والعطر والبخور والبيارق وتعدد وتنوع الملابس ، وهو ما يعطي العرض منسوبا أكبر من الواقعية والتقاطع مع ما يرافق الحضرة من طقوس في زوايا كل من فريانة ونفطة دون أن ننسى طبعا المعالجة الصوتية والضوئية والمؤثرات التي تؤمنها إدارة الإنتاج - التفاعل :
كما كان منتظرا شهد عرض الفزعة في مسرح سيليوم البارحة تفاعلا كبيرا من قبل الجمهور المحترم الذي واكبه ، سواء بترديد عدد من الأناشيد الصوفية المألوفة في الجهة ، والرقص على إيقاعاتها منذ ضربة البداية وقد عبر لنا كل الحاضرين من إعلاميين ومتفرجين عن اعزازاهم وانبهارهم بالمستوى الراقي للعرض الذي يضاهي أشهر العروض المشابهة التي اكتسحت المسارح والمهرجانات خلال السنوات القليلة الماضية متنبئين له بنجاح وانتشار كبيرين خلال هذه الصائفة وخلال المواسم المقبلة خاصة مع اكتساب الفريق الشاب الذي يشتغل ضمنه مزيدا من الخبرة . - ماقبل العرض :
من التقاليد المتميزة التي دأب عليها مهرجان القصرين خلال المواسم القليلة الماضية ، تقليد التكريم والاعتراف بالجميل لكل الفاعلين والمتميزين من أبناء الجهة لاسيما في المجال الثقافي .
وقد اختارت الهيئة المديرة للدورة 41 من مهرجان القصرين الدولي أن تكرم في سهرة الافتتاح فقيد الساحة الثقافية ، وأحد أبرز وجوه مجال الإنشاد الديني بالجهة صالح البناني الذي وافته المنية خلال الأيام القليلة الماضية . - الفنان الشاب حمزة عجلاني وتعدد الأدوار :
إذا كان التداول على المسؤوليات من سنن الحياة المدنية والديمقراطية ، فإن الفنان الشاب حمزة عجلاني مدير مهرجان القصرين في دورتين سابقتين أبى إلا أن يقطع مع عادة دأبت عليها الساحة وتتمثل في تصيد الأخطاء ووضع المطبات في وجوه الهيئات المديرة الجديدة وإطلاق الإشاعات حولها حتى تفشل من قبل الهيئات التي سبقتها .
حمزة العجلاني ، فضلا عن تجنده برفقة رئيس جمعية البعد السابع سليم العلوي لمد يد المساعدة للهيئة المديرة الجديدة برئاسة الفنان الطيب الملايكي كانب عام جمعية ليل المدينة ومدير مركز الفنون الدرامية والركحية بالقصرين ، قام تلقائيا وبوسائله الخاصة بتوسيع ركح المسرح حتى يكون قادرا على استيعاب عروض كبيرة ، كما انه ظهر على ركح المسرح الأثري سيليوم ضمن الفرق العامل في عرض الفزعة عازفا على آلة الكمان . - وأخيرا …
بعد غياب دام أكثر من سنة عاد المسرح الأثري سيليوم البارحة لاحتضان جمهوره في باقة عروض انتقتها الهيئة المديرة للدورة الحادية والأربعين بحسب ما توفر من إمكانيات ووعود من قبل الجهات المانحة ، وما سمحت به الفترة الزمنية الممنوحة لها للشروع في الاقتناء والشراءات .
عروض قد نتفق حول وجاهة اختيار بعضها وقد نختلف ولكننا قطعا لن نختلف حول نجاحها في رهان التعويل على عرض الفزعة مدخلا وبوابة وضربة بداية عانقت الروعة ولاقت التثمين والاستحسان والتفاعل الإيجابي من قبل جميع الحاضرين في انتظار العروض العشرة المندرجة ضمن روزنامة الدورة .
لطفي هرماسي