الثلج وما أدراك ما الثلج، هو ذلك الزائر الأبيض الذي يغطي الأرض ويعطيها جمالاً ورونقاً لا مثيل له، وبالرغم من برودة الثلج إلّا أنّنا نفرح ونبتهج بقدومه فهو من أجمل المناظر التي نشاهدها على الإطلاق غير أن البعض يستاء منه إن طالت زيارته.
ثلج فارع الطول في وجوه قصار القامة؛
لطالما اقترن الشتاء باللون الابيض بصفاء القلوب و التسامح، تسامح الطبيعة مع أخلائها ،تسامح الارض وسمائها، تآلف البرد مع أهالي الإحسان لفائدة ضعاف الحال و الأحوال… صورة بهية يبثها فينا البياض، الثلج و رجل الثلج و خرافات مقترنة بما تجلبه الثلوج معها من خير بعد موسم حافل بالأمطار.
لكن… و بعد كل لكن تدمع الأعين في أبعد الجهات فمثل ما يعلم الكل… البعيد عن العين بعيد عن القلب إلا من رحمة الله..بعيد عن أعين السلطات و الإمكانيات. في هذه الرقعة الغير بعيدة عن أنظار الوطن تونس، يأتي الشتاء بأبهى حلله و يقترب من القلوب رويدا رويدا، حاملا بين طيات أيامه الثلج الأبيض و الغيث النافع، متناسيا بأنه موجع بعض الشيء في منازل البعض.
مناطق يهددها الثلج؛
فبين ال25و ال26 من جانفي 2019 تحديدا بالقصرين شهدت المنطقة سيناريو مخرج بعناية ربانية، سيناريو كتبته أنامل الطبيعة و صاغت تقاسيمه زنود البرد.
شخصيات القصة كانت كالعادة مستهلكة الى أبعد حد، هم أنفسهم أبطال القصرين في جميع معتمدياتها بكبارهم و صغارهم ، شيبهم و شبابهم. من جميع المعتمديات والمناطق وبالاخص حيدرة و تالة والعيون و حاسي الفريد وسبيبة وغيرها من المناطق البعيدة عن صلاحيات المسؤلين.
أرباب عائلات عاجزةٌ تماما عن إطعام أفراد عائلاتهم، يعانون الأمرين ، من جهة غياب تام للماء الصالح لشرب و تواصل إنقطاع التيار الكهربائي على مدى يومن متتالين مع نقص يكبر يوماً بعد يوم للمؤنة.
فحين ضرب الثلج هاته المناطق المنكوبة عاين أعوان الشركة التونسية للكهرباء والغاز إقليم القصرين بأن الشبكة الكهربائية بمعتمديات تالة والعيون وحيدرة و جدليان في ولاية القصرين المتضرّرة من العاصفة الثلجية الأخيرة، لحقت بها أضرار جسيمة جراء الرياح العاتية التي تجاوزت سرعتها 150 كلم في الساعة ممّا تسبب في سقوط أكثر من 350 عمودا كهربائيا ذات ضغط عال ومتوسط ممّا أدّى إلى انقطاع كلي للتيار الكهربائي بكافة مناطق المعتمديات المذكورة منذ ثلاث أيام.
وبعد محاولة الشركة لتركيز مولدات كهربائية إلى أن العملية قد باءت بالفشل بعد أن تم وصل المولدات لمدة دقائق معدودة ثم انقطعت عن العمل وعاد الظلام يخيم على معتمدية حيدرة كما كان من قبل.
القصرين بأولادها؛
ناهيك عن الخوف الملثم بالجوع و بسيلان الماء في المنازل ، و بالثلج الممزوج برائحة الخبز، فقد بزغت في ربوع القصرين شمس الشباب المضيئة بالمحبة. شباب جميل في يديه الخير يحمله للمحتاج من أخيه المساعد، شباب يأخذ من ميسوري الحال لإعانة ضعاف الأحوال، فقد أثثت ثلة من “نوارات القصرين” حملة تضامنية تطوعية تبدأ من اليوم 27 جانفي لتعيد الأمل و الدفء لبيوت الأهالي المتضررة من الثلوج في عديد الجهات على غرار تالة و العيون، لمد يد المساعدة بما جاد الغني على الفقير.
حيث نظم شباب حي النور حملة تضامنية تتمثل في جمع اغطية و مفروشات و مواد غذائية و ملابس لاهالي المعتمديات المتضررةعلى غرار العيون و تالة و حيدرة بعد عاصفة الثلوج التي مرت بها الجهة خلال الأيام القليلة الفارطة . كما اكد احد منظمي هذه الحملة على وجود تفاعل كبير من قبل شباب القصرين لتقديم يد المساعدة للعائلات المتضررة من موجات البرد والثلج.
بياض الثلج مع سواد الديمقراطية؛
الثلج ذالك الثوب الأبيض الذي يكسو الأرض ويعطيها جمال لا مثيل له، هو نفسه نقمة الفقير و لعنةٌ تضرب بحاله في بلد لا تستطيع اللجان و السلطات مجابهة الكوارث الطبيعية مثل الثلج والمطر، لا يمكن أن نتحدث عن عدل ومساواة وأضعف الامكانيات لجبر الضرر مفقودة.
فأي عدل وديمقراطية تذكر في حين تموت أشخاص وتشتت عائلات جراء الثلج… فالإنتقال الديمقراطي المدعي من قبل رئيس جمهوريتنا و ساسة الوطن لم يعد صالح …. إنتقال لم يتصالح مع الطبيعة والأحوال الجوية لابد من إعادة النظر فيه أو سقط كما سقطت قبله نظم.